المقالات

تركيا وإيران وإسرائيل ترسمان معالم الشرق الأوسط الجديد

Advertisements

تركيا وإيران وإسرائيل ترسمان معالم الشرق الأوسط الجديد

حامد شهاب/ باحث إعلامي

شكلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى السعودية ودول الخليج العربية ، في الثاني عشر من أيار 2025 ، برغم ما رافقها من تهويل إعلامي وإثارات دعائية صاخبة غير مسبوقة عن حجم الصفقات التجارية التي وقعت معه ، وما أعقبها من لقاء ترامب بالرئيس السوري أحمد بالشرع في الرياض وأحداث غزة المأساوية ، حيث صعد الصهاينة من عدوانهم البربري مع أحداث تلك الزيارة ، لتشكل خيبة أمل مريرة من أن مستقبل العرب أصبح في خبر كان، وإن السلام في منطقتنا حلم طوباوي لن يتحقق في يوم من الأيام ، بل أن أمر هيمنة إسرائيل على مقدرات شعوب المنطقة ودولها وسعيها للوصول الى حلمها الموعود بـ “أن أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل” أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.

كان هناك بصيص أمل لدى شعوب دول المنطقة بإن بإمكان الرئيس الامريكي ترامب أن يفعل شيئا للعرب ، ويوقف على الأقل عدوان إسرائيل الهمجي على شعب غزة خلال فترة زيارته للمنطقة، كما أن ترامب كان قد وعد العرب بأنه ستكون هناك دولة مستقلة لفلسطين ويتم حل الدولتين ويحقق السلام في المنطقة، على أمل خائب أن يحصل على جائزة نوبل للسلام بإعتباره قد حقق السلام في المنطقة بين العرب وإسرائيل ومع روسيا وأوكرانيا وبين الهند وباكستان وهدأ من صراعات في دول أخرى ، لكن حتى هذا الأمل يبقى بعيد الإحتمال.

وما يمكن الإشارة اليه ان إدعاءات ترامب ووعوده بتحقيق السلام أمر لايمكن تصديقه بأي حال من الأحوال، وإن هدف إسرائيل المراهنة فقط على الوقت  للوصول الى أهدافها غير آبهة لما يقوله ترامب ، بل أن ترامب نفسه ربما قد خطط لتلك السيناريوهات بالتنسيق مع إسرائيل بأنه سيحقق لها حلمها خلال زيارات نتنياهو السابقة للولايات المتحدة ، لكن فقط أن تبدي بعض الليونة في المواقف أزاء إيصال المساعدات الى غزة، برغم أنها أغلقتها كليا ، هذا كل ما يستطيع ترامب فعله مع إسرائيل، لكن أن يلجم طموحاتها وأطماعها فهذا لن يكون بمقدور ترامب ولا من يأتي بعده من الرؤساء الأمريكان أن يعيقها عن تحقيق أحلامها التوسعية في إبتلاع المنطقة ودولها.

بل أن إيران أدركت بدهائها ومكرها أنها قادرة على إفشال مخططات ترامب ضدها، وكسب معركة المواجهة معه ، وما أثارته من حملات صخب دعائية هي الأخرى في موضوع مفاوضاتها بشأن النووي الإيراني ووماطلتها في تلك المباحثات هو في سعيها للحصول على للحصول على مكاسب بتخصيب أعلى لليورانيوم لبرنامجها النووي وديمومة برنامج صواريخها بعيدة المدى، ولهذا سعت للإستفادة من إطالة أمد المفاوضات، وراهنت على إطالة الوقت لتقليل مكاسب قد يحصل عليها ترامب من تلك المفاوضات ، وكلها محاولات من ايران لإفشال خطط ترامب فعلا..ولهذا لايريد ترامب فعليا الاصطدام مع إيران، وهو يدرك أنها تلعب معه لعبة القط والفار، بل هي تريد إستدراج ترامب الى منطقة قتل ، ويكون بمقدورها إحراجه مع شعبه في محاولتها الإصطدام معه تكتيكيا ، وهذه المرة من خلال جماعتها الحوثيين في اليمن.

أما إتفاقات ترامب التجارية مع السعودية ودول الخليج العربية و(الهنبلة ) التي رافقتها فهي لحلب ثروات هذه الدول ليس إلا، لتي ليس لها دور سوى ان تكون علاقات تجارية ، أما إدعاءات الامريكان بحماية السعودية ودول الخليج فهي لحماية تلك المصالح مؤقتا ، وعليها أن تصمت عن أية مطالب تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتعدها موقفا غير مسؤول تنجم عنه متغيرات خطيرة على مستقبل هذه الدول بأن تحرك كلا من إسرائيل وإيران ضدها مرة أخرى .

وفي العراق هناك ماتزال أوهام لدى بعض الساسة العراقيين ممن لايزالون يحلمون بوقوف الولايات المتحدة لتخليصهم من هذا النظام عبر إصدار قانون تحرير العراق، برغم ان إدعاءات من هذا النوع تعد فارغة ولأغراض إرهاب الطرف الآخر الشيعي، فلا يعد كونه أقرب إلى بالونات إختبار ضد القيادات الشيعية الحاكمة في العراق لكي يعودوا الى الحضن الأمريكي ، كلما حاولوا الخروج من فلكهم ، وهم الذين ما كان بوسعهم أن يحكموا لولا ان الولايات المتحدة هي من سلطتهم على مقدرات العراق ، لكنهم أوغلوا كثيرا في الإرتماء بالوقوع في الحضن الإيراني، برغم فضل أمريكا عليهم وهي من أسهمت بإستمرار حكمهم كل هذا الوقت ، ولولاها لكانوا مجرد عبيد يقدمون الخدمة لإيران بلا مقابل..

بل أن حال العراق بعد عام 2003 وإسقاط نظامه السياسي السابق هو من حقق كل أحلام إسرائيل والولايات المتحدة وحتى إيران ودول الخليج نفسها ، إذ أن كل تلك الدول ترقص على جراحات العراقيين وتهلهل للمكاسب الكبيرة التي حققتها، بأن أبعدت هذا البلد عن ساحة صراعات المنطقة ، وتمكنت السعودية من أن تحصل على زعامة دول منطقة الخليج بعد أن إنكفأ العراق بعيدا وتم سحق قدراته العسكرية والأمنية وقدراته الفنية الأخرى وحولته الى بلد لاحول له ولا قوة ، حتى أمسى العراق بلدا تتقاسمه أمواج الصراعات والتناحرات الطائفية والمذهبية والعرقية العاتية، بعد أن قسمته الى كانتونات طائفية وعرقية وراحت تمعن في خراب شعبه ، وهو الآن على هذه الشاكلة من الإنحدار في الدور والمكانة ، ما يمثل الحالة المثالية الافضل لكل تلك الدول مجتمعة، عربا وإسرائيليين وأمريكان وحتى لدول أوربا نفسها، وهي ترقص طربا وتستميت من أجل ابقائه هكذا بلدا متناحرا مشتت القوى ضائع الهوية وبلا قيادة وثرواته يتقاسمها الأغراب بالتعاون مع لصوص السلطة وسراقها الكبار والعصابات، وراحت الجماعات المسلحة تتحكم بمصيره وهي من لها الكلمة العليا، بل أن الديمقراطية في العراق أصبحت (ديمقراطية البنادق)  هي السائدة وهي من تعلو بصوتها فوق الجميع وتمارس إرهابا يفوق كل تصور ، وهو مايسر أعداء العراق عربا واسرائيليين وأمريكيين ودول الخليج نفسها على وجه التحديد التي وجدت نفسها وقد تخلصت من (بعبع) كان يهدد مصيرها وتحسب له ألف حساب ، ولم يكون بمقدورها أن ترفع رأسها في سنوات ما قبل عام 2003 حتى كانت فرصة الكويت مواتية لها لتحقيق حلم تدمير العراق وركله خارج معادلة الحسابات السياسية والجيبولتيكية، برغم أنهم بلا تأريخ وليست لديهم سوى الآمال وسيلة لدفعها للأخرين لتوفير الحماية لأنظمتهم ودولهم،وهم يتلذذون بهذه الدولة الكبرى أو تلك أو من الجيران الأقوياء لحمايتها من أي تهديد تتعرض له، وهم جميعا في غاية الإرتياح لما آل اليه حال العراق.

ولا يستبعد مراقبون من أن العراق يتعرض للتقسيم الفعلي الجغرافي إلى ثلاث أو أربع كانتونات طائفية وعرقية، وتكوين إقليم الشام الجديد أو دولة الشام الجديدة ، للوصول الى هدفهم بشرق أوسط جديد تكون إسرائيل أحد الفاعلين المهمين فيه ، لكن العراق يحتاج فقط الى وقت اضافي لحين تقسيم سوريا إلى كانتونات مماثلة، بل أن حال العراق حاليا يؤكد بما لايقبل الشك أنه مقسم واقعا ويحتاج فقط إلى إعلان رسمي.

أما الحال في سوريا في عهد الجولاني أو أحمد الشرع فلم تتضح ملامحه وهويته بعد ، لكنه يبقى قريبا من المشروع التركي الأمريكي الإسرائيلي ولن يخرج عن فلكهما باي حال من الأحوال، وهناك أحوال طائفية وعرقية متعددة في سوريا على شاكلة العراق، ومن الصعب الجمع بينهما تحت علم دولة واحدة.

وهنا لابد أن نشير الى أن أحلام دول منطقة الشام وبخاصة مواطني سوريا والعراق من المكون السني كانوا على الدوام مع مبدأ وحدة البلدين، وكان هناك حزبا يجمعهم لسنوات طوال إمتدت لعقود ، وشعارهما واحد برغم إختلاف الأنظمة، وهو وحدة البلدين المعروف (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) الى أن تبخر البعث وفقد أقطابه الرئيسين والفاعلين ، ولم يعد يمتلك من مقومات القوة للعودة مرة أخرى الى سدة الحكم في أي من البلدين، إن لم يمكن القول أن بعث العراق وسوريا أصبح من ذكريات الماضي القريب، اللهم الا اذا تم البحث عن إسماء بديلة لواجهات الحزب للعمل بطريقة لاتختلف كثيرا سوى في التسميات، كما أن من الصعب إجتثاث الأفكار، ولهذا يبقى القلق من البعث السوري أو العراقي أمرا يرعب الجميع ويصيبهم بالإعياء والإغماء ، وتجد تصريحات ساسة العراق بخاصة وهم يكيلون اللعنات على حزب البعث وقادته ويستنفرون في كل مرة قواهم لمواجهة اي تآمر ولو بسيط مهما كان تحت يافطة مواجهة البعث الصدامي، حتى وان كان التهديد جاء من واجهات سياسية شيعية دينية من نفس مذهبهم  وطائفتهم ، ولا علاقة لها بالبعث من قريب أو بعيد.

ومن السيناريوهات المطروحة للعراق وحتى لسوريا مع الاردن أن تندمج تلك الدول في دولة واحدة هي الشام ، وقد تندمج الانبار وحتى محافظات سنية أخرى مع سوريا في دولة جديدة إسمها ( بلاد الشام ) ، وهناك رغبات داخلية تساير الوضع أعلاه وتتناغم معه، وقد تندمج محافظات عراقية مع الأنبار لتشكيل الدولة الجديدة المتحدة مع سوريا، وينفصل الأكراد والدروز والعلويين بإقليم منفردة، وبقية العراق يتوزع بين دولة شيعية وأخرى كردية وربما مسيحية.

ولا يستبعد مراقبون أن تنفذ تركيا الرغبة الاسرائيلية الأمريكية باجتياح نحو الموصل وبقية محافظات العراق السنية لإقامة دولة الشام الجديدة بمباركة أمريكية على طريقة تحرير سوريا والأحداث الدراماتيكية التي رافقتها، عندها تكتمل الرغبة الأمريكية بإيقاف زحف الاحتلال الايراني نحو الغرب العربي السني.

ويمكن القول أن إيران هي الرابحة ايضا من مشروع تقسيم العراق، وربما تقدم تركيا لها خدمة مضافة بأنها حين تسيطر على إقليم المكون السني العراقي العربي ، فبوسع إيران بالمقابل السيطرة على إقليم المكون الشيعي العراقي ، عندها يكون تبادل المصلحة بين تركيا وإيران أن الأخيرة لن تقف عائقا أمام المشروع التركي للهيمنة على مقدرات المكون السني العربي، وستكون النتيجة متعادلة تماما، ولم تواجه إيران أية خسارات كبرى بفقدان وجودها في سوريا ولبنان، وستجد في العراق الشيعي تعويضا لها عن تلك الخسارة ، كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تعارض مشاريع من هذا النوع ، بل تسهل عليها تحقيق أطماعها فيما بعد بالتنسيق مع الطرفين ، وتنتهي سنوات الخصومة والعداوة بين إيران وإسرائيل الى الابد، وتفتتح بينهما علاقات متميزة على أكثر من صعيد.

وما يمكن التوصل اليه في خاتمة هذا الإستعراض أن تركيا أسندت لها أدوار إقليمية مهمة ضمن المنطقة لتنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد لمواجهة المشروع الإيراني، والبداية يتم تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير من سوريا، والمهتمون بهذا المشروع يداعبون أحلام تركيا وأردوغان الحالم بإعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية، ويجدون لها المبرر لتحقيق أغراضهم ،بأنها هي من تنفذ لهم هذا السيناريو دون الدخول في حروب إجتياح مع الدول العربية.

كما أن تركيا مستفيدة هي الاخرى من أنها تمكنت من إستعادة دورها التاريخي في الهيمنة على مقدرات دول المنطقة،وهي من تتفاوض مع الامريكان وإسرائيل لتحقيق هذا الغرض، وهي في حالة إرتياح بأنها إستعادت دورها التاريخي في تشكيل خارطة الشرق الأوسط الجديد،وإنها حققت مكاسب جيبولتيكية لم تحلم بها، وقد أعاد اردوغان مجده بأن أصبح له مكانة مرموقة في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد ، بل أن الأمريكان والإسرائيليين أكثر إرتياحا للدور التركي ومباركة له..أما إيران وان تراجع دورها ، لكنها تبقى تعتمد على أذرعها في المنطقة ، ومن خلالهم تحاول الإمساك بمستقبل العراق (الشيعي) على الأقل لكي لايفلت من يدها ، وتسعى لتقليل خسارتها الجيبولتيكية الى حدودها الدنيا .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى