تحقيقات

تحقيق من قلب ميسان.. جواميس الأهوار تموت عطشًا.

Advertisements

تحقيق من قلب ميسان.. جواميس الأهوار تموت عطشًا.

إعداد: فريق تحقيقات أوقات الإخباري – ميسان

Buffalos in the marshlands near Chibayish, Chabaish, Nasiriya in Iraq

أهوار ميسان.. موطن الحياة الذي يختنق عطشًا

لطالما مثلت أهوار جنوب العراق بيئة نابضة بالحياة، لا تشبه غيرها من البيئات حول العالم. إذ احتضنت منذ آلاف السنين كائنات تكيفت مع طبيعتها الفريدة. ومن بين هذه الكائنات، برزت الجواميس السوداء، التي لطالما شكلت جزءًا أساسيًا من حياة السكان المحليين في ميسان.

ولم تكن هذه الجواميس مجرد حيوانات داجنة، بل كانت مصدرًا للرزق، ومكونًا من مكونات الهوية الثقافية للمنطقة، حتى أن السومريين القدماء قاموا بترويضها وتربيتها ضمن منازلهم المبنية من القصب والبردي.

لكن، ومع تصاعد أزمة الجفاف في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الجواميس تواجه خطر الزوال.


الجفاف يفتك بالدواب.. مشاهد مأساوية في أهوار الحسيجي

مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل متسارع، أصبحت المسطحات المائية في الأهوار تتراجع بشكل مخيف. ولأن الجواميس بطبيعتها تعتمد على الماء للبقاء على قيد الحياة، فقد تحولت بيئتها الحاضنة إلى سجن خانق.

يتحدث رعاة الجواميس في أهوار الحسيجي جنوب ميسان عن فقدان المئات من رؤوس الماشية خلال الأعوام الماضية. ويؤكد أحدهم، وهو يقف على أطراف هور جاف:

“لم تعد هناك مياه، ولا أعلاف… نخسر كل يوم جزءًا من حياتنا”.


أهوار الحويزة: انقراض محتمل وتهديد للهوية

تعتمد مناطق مثل أهوار الحويزة والحسيجي والأكرح والطوس على الجواميس كجزء من اقتصادها المحلي، إذ توفر الحليب واللحم والدخل للعوائل. ومع ذلك، فإن اتساع رقعة الجفاف جعل الكثيرين يعانون.

بل إن هناك من بدأ الهجرة من الأهوار بحثًا عن مصادر رزق بديلة، تاركين خلفهم تراثًا بيئيًا قد لا يعود مجددًا.


هور السناف.. من موطن الجواميس إلى أرض قاحلة

يقع هور السناف شمال نهر الحسيجي، وكان في السابق من أهم مواطن تربية الجواميس في المنطقة. لكن، ووفقًا للناشط البيئي أحمد صالح نعمة، فإن هذا الهور يعاني من جفاف غير مسبوق:

“في السنوات المطرية، يعود إليه شيء من الحياة، أما اليوم، فليس هناك أثر للمياه، ولا للجواميس”.

هذا التغير لا يعني فقط خسارة بيئية، بل أيضًا فقدان مصدر معيشي أساسي لسكان المنطقة.


خمس سنوات عجاف.. وأثر لا يُمحى

منذ أكثر من خمس سنوات، تعيش الأهوار تحت وطأة الجفاف. لكن العام الحالي يُعد الأسوأ على الإطلاق. فقد أدى انخفاض مناسيب المياه، ووجود الآبار النفطية الاستكشافية، إلى تغييرات طوبوغرافية في الأهوار، جعلتها أكثر عرضة للجفاف.

وقد أصبحت الأرض التي كانت تعج بالحياة، متشققة ومتصلبة كجلد قديم، لا تنبت زرعًا ولا تحتضن حيوانًا.


ما الذي يمكن فعله؟

رغم هذا الواقع القاسي، يرى المختصون أن الأمل لا يزال قائمًا، إذا ما تضافرت الجهود الحكومية والبيئية لإنقاذ الأهوار. ويشدد الخبراء على:

  • ضرورة تنظيم تدفق المياه من منابع الأنهر.
  • حماية المناطق الرطبة من التوسع الصناعي غير المنضبط.
  • إطلاق مشاريع دعم للماشية وسكان الأهوار.

خلاصة

إن الجواميس في أهوار ميسان ليست مجرد كائنات تعيش في الماء، بل هي رمز حي لتاريخ طويل من التفاعل بين الإنسان والطبيعة. ومع كل يوم يمر تحت شمس جافة، نخسر جزءًا من هذا التاريخ.
لكن التحرك الآن – ولو كان متأخرًا – قد يكون الفرق بين الزوال والنجاة.

الكلمات الافتتاحية:

ميسان، الأهوار، الجفاف، الجواميس السوداء، الخطر البيئي، الانقراض، التراث العراقي

مقالات ذات صلة:

شح المياه في العراق: أزمة مناخية تتفاقم وسط عجز حكومي واضح

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى